Sunday, February 26, 2012


                            1---لا يخفى على أحد، أن المهن كانت قديماً تورث كبقية الأشياء، حيث كان الحداد، والنجار، والحلاق وغيرهم، يسعون بقوة ليمتهن أبناؤهم مهنهم، بنية الحفاظ عليها من خلال الوراثة، التي تسهم في نقلها من الآباء إلى الأبناء ومن ثم إلى الأحفاد، وتضمن عدم انقراضها. لكن الأمور انقلبت في أيامنا، حيث بتنا نشهد عزوفاً من قبل كثير من الأبناء عن التخصص في مهن آبائهم، ذلك أن التوجه العام في العالم العربي الآن يتجه نحو الدراسة الجامعية، والحصول على الشهادات العليا، وترك مهن الآباء والأجداد. ومع تطور العصر، ولدت مهن جديدة كالهندسة والطب والتجارة، والمحاماة، والفنون، وابتعد الأبناء عن بعض مهن الآباء القديمة التي لا تتناسب مع ميولهم، ولا تتوافق مع متطلبات العصر، إلا أن البعض مازالوا يؤثرون التخصص في المهن نفسها التي امتهنها أهاليهم، في حين أن بعضهم يجدون أنفسهم في صميمها من دون أي تخطيط مسبق. فماذا يقول الأهل الذين أورثوا والأبناء الذين ورثوا في هذا المجال؟ حرية الاختيار ما الفائدة التي تعود على الأبناء من توريث المهنة؟

«=2إن توريث المهنة لا يعني أن يدخل الابن مجال عمل لا يحبه إرضاء لوالده، فهذا ما ينتهي غالباً بكارثة. ولكن توريث المهنة معناه أن يدخل الابن المجال الذي يريد، حباً في المهنة ورغبة في السير على نهج والده الذي رأى فيه نموذجاً ناجحاً، فيبدأ الابن من حيث انتهى والده ويصبح مبدعاً في عمله».


كل أب مهما كان شأنه، يتمنى أن يكون ابنه أفضل وأعلم منه، ليراه في مكانة رفيعة، لأنه يشكل امتداداً له في الحياة الدنيا». الشعور بالأمان «تبقى الحرفية على رأس قائمة أولويات التوريث»

اعتمدت على نفسي وعملت في مصنع للأخشاب بعيداً عن والدي حتى أثبت له نجاحي، فلكل منا ذوقه الخاص ورؤيته». أنانية مفيدة يعتبر الطبيب النفسي علي الحرجان أن «توريث المهنة من جيل إلى جيل شيء مفيد»، لافتاً إلى أن «كل المهن تحتاج إلى قدرات إما ذهنية أو جسدية»
ويقول: «على سبيل المثال، لا يستطيع لاعب كرة القدم أن يورث ابنه اللعبة، إذا كان جسده غير مؤهل لأن يكون لاعباً»

أن «كثيراً من الآباء يورثون المهنة لأولادهم بالإجبار، والإكراه، فيفشلون ويعانون الإحباط، وتحدث المشاكل، ومنهم من يقدمون لأبنائهم خلاصة تجاربهم لمساندتهم ومساعدتهم على النجاح في حياتهم». ويقول: «تأتي أنانية الأب في توريث المهنة كي يظل اسمه مستمراً طوال العمر، فيضغط على ابنه بدخول المجال لرفع لواء المهنة». ويلفت إلى أن «الانبهار بنجاح الوالدين، يكشف المهنة التي يحبها الأبناء، كما أن ما يعكسه الأب عن صورة هذه المهنة، سواء أكان سلباً أم إيجاباً، يسهم في بلورة نظرة الابن تجاهها، فهو سيحب المهنة أو يكرهها على ضوء ما يسمعه من تقدير لها أو رفض».
. من ناحية أخرى، بين الدكتور الحرجان أن «دراسات نفسية عدة أكدت أن الارتباط العاطفي بالأم، أو الأب، يدفع الأبناء إلى حب مهنهما والتحلي بسلوكهما وممارستهما للحياة». وحول المنافسة بين الآباء والأبناء

 ولا يسعني في اخر المطاف و في نهاية أن أقول أن المهنة تتطور مع تغير الزمن، وتحتاج إلى إبداع وفكر، وإلى نوع من المجازفة، إلا أن الجيل القديم هو عبارة عن شخصيات كلاسيكية محافظة، لها قيم وسلوكيات مهنية محددة، ومن الصعب عليها أن تتقبل النهج الجديد، أو التغيير في نمط المهنة. وبالتالي ينشأ صراع، وخلاف بين الجيلين، يتخلله شد وجذب واختلاف في وجهات النظر. في حين أثبتت الدراسات أن المهن التي تنتقل من الأب إلى الابن تكون ناجحة بكل المقاييس، لأن الجيل الجديد يمتلك الكفاءة، والقدرة على إدارة تطوير المهنة نحو الأفضل.

في جانب آخر للمسألة، وتحديداً فيما يتعلق بتقليل الأهل من شأن بعض الاختصاصات، ترى مكي أن ذلك يعود إلى محاولة التعويض الذي يراه الأهل، لتحقيق الأمن الاجتماعي، عبر المهن التقليدية. أو ربما إلى الجهل بالاختصاصات الحديثة المتصلة بالتكنولوجيا والاتصال، على سبيل المثال.
تمرّد.. وتقليد

No comments: